في خضم التطورات المتسارعة على جبهات متعددة، تتجه بوصلة الانتقادات مجددًا نحو قلب القرار الإسرائيلي، حيث تتصاعد الدعوات الداخلية لإنهاء الحرب في قطاع غزة، التي دخلت يومها الـ628 دون أفق سياسي واضح أو إنجاز عسكري حاسم. وتُظهر تصريحات متزامنة لصحفيين ونواب ومسؤولين عسكريين سابقين حجم الفشل الذي يطوّق حكومة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، وسط ارتفاع كلفة الحرب البشرية والسياسية.
في مقال نشرته صحيفة معاريف، كتب المحلل العسكري آفي أشكنازي بحدة غير مسبوقة أن "إدارة الحرب الجارية منذ 628 يومًا في غزة تمثل فشلًا ذريعًا لحكومة نتنياهو"، مؤكدًا أن (إسرائيل) تغرق في غزة، على عكس ما حققته من "إنجازات واضحة ومحددة" في ساحات أخرى كإيران وسوريا ولبنان.
وأشار أشكنازي إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يكن مهيأ لخوض حرب طويلة بهذا الشكل، ولم يتوقع القدرات العسكرية التي تحتفظ بها حماس، خاصة البنية التحتية الهائلة تحت الأرض، وشبكة الأنفاق والتحصينات، مضيفًا أن "الجنرالات كانوا عُميانًا قبل 7 أكتوبر، ولا يزالون يتعاملون بعمى مع واقع غزة حتى اليوم".
وطالب الكاتب نتنياهو بالكشف صراحة عن أهدافه من هذه الحرب: "هل يسعى لاحتلال غزة؟ لإسقاط حكم حماس؟ لإقامة إدارة عسكرية؟ أم فقط لإطلاق سراح الأسرى؟ ما يحدث ليس حربًا منظمة بل تكرار لأمنيات ضبابية".
تساؤلات في الكنيست: لماذا نموت هناك؟
تصريحات مماثلة جاءت من رئيس لجنة المالية في الكنيست موشيه غافني، الذي عبّر بصراحة عن فقدان البوصلة في أهداف القتال، قائلاً: "قتل 7 جنود يوم أمس، لكن لا أحد يشرح لنا لماذا نقاتل، ما الهدف من استمرار نزيف الدم؟".
التصريحات تعكس إحباطًا واسعًا في الأوساط السياسية، حتى بين شركاء الائتلاف، من استمرار العمليات العسكرية دون تصور نهائي أو جدول زمني لإنهائها.
ضغوط من عائلات الأسرى
من جهتها، أطلقت هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين في غزة موقفًا قويًا أكدت فيه أن "الحرب استنفدت نفسها وتدار دون هدف واضح أو خطة واقعية"، مضيفة: "نتساءل كيف لأسبوع بدأ بإنجاز استراتيجي ضد إيران أن ينتهي بخسارة فادحة لسبعة جنود في غزة؟"
الموقف يعكس غضبًا متزايدًا في الشارع الإسرائيلي مع ارتفاع أعداد القتلى، وغياب تقدم جوهري في ملف صفقة تبادل الأسرى مع حماس.
في سياق متصل، كشف استطلاع للرأي أجراه موقع والا العبري أن 62% من الإسرائيليين يؤيدون إنهاء الحرب فورًا والتوجه إلى توقيع صفقة تبادل أسرى، ما يُبرز مدى التحول في المزاج الشعبي، خاصة في أعقاب تصاعد الخسائر والإخفاقات الميدانية.
مزاج حكومي مأزوم ومكاسب مشوشة
رغم "الانتصار الإعلامي" الذي حاول نتنياهو تسويقه بعد الضربات على إيران، إلا أن الصحفي شالوم يروشليمي حذر من أن غرور النصر مؤقت، وأن "كوارث غزة كفيلة بإعادة نتنياهو إلى أرض الواقع"، معتبرًا أن التقدم الأخير في استطلاعات الرأي لا يعكس انقلابًا حقيقيًا في موازين القوى.
وفي ذات السياق، تساءل الصحفي إيال بركوفيتش: "كيف يخرج نتنياهو ليعلن الانتصار في مؤتمر صحفي، في الوقت الذي يُقتل فيه سبعة جنود في غزة؟"، مضيفًا أن هذا التناقض يُفقد الحكومة مصداقيتها.
من جانبها، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت أن المقاومة الفلسطينية في غزة أصبحت أكثر جرأة في مواجهة قوات الجيش الإسرائيلي، مستغلة تقليص حجم القوات المنتشرة في القطاع، ما تسبب في زيادة عدد القتلى والجرحى، وسط مؤشرات على انفراجة وشيكة في ملف الصفقة، وعودة قضية الأسرى إلى صدارة الاهتمام السياسي والإعلامي.
وفي ختام المشهد، قال المحلل تسفي يحزكيلي من قناة i24 إن أي اتفاق سيبرمه دونالد ترامب بشأن الأسرى "سيكون جيدًا"، وأضاف: "ماذا ننتظر؟ هل نترك أبناءنا يُقتلون هناك؟ لا بد من إنهاء هذا الأمر".
هذه التصريحات تظهر أن الشارع الإسرائيلي ومعظم النخب السياسية والإعلامية باتوا مقتنعين بأن استمرار الحرب دون خطة أو هدف سيؤدي إلى المزيد من الفشل.
ملف الأسرى عاد إلى الواجهة بقوة، وسط توقعات بمبادرات دولية (قد تشمل ترامب) لدفع صفقة تبادل شاملة، فيما الانقسامات داخل حكومة نتنياهو قد تتعمق مع استمرار الفشل العسكري في غزة، رغم محاولات التغطية عليها بإنجازات خارجية.